فصل: مدلاج بن عمرو السلمي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 سنة خمسين من الهجرة

ففي هذه السنة توفي أبو موسى الأشعري في قول، والصحيح سنة ثنتين وخمسين كما سيأتي‏.‏

فيها‏:‏ حج بالناس معاوية‏.‏

وقيل‏:‏ ابنه يزيد، وكان نائب المدينة في هذه السنة سعيد بن العاص، وعلى الكوفة، والبصرة، والمشرق، وسجستان، وفارس، والسند، والهند زياد‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ اشتكى بنو نهشل على الفرزدق إلى زياد فهرب منه إلى المدينة، وكان سبب ذلك أنه عرّض بمعاوية في قصيدة له فتطلبه زياد أشد الطلب ففر منه إلى المدينة، فاستجار بسعيد بن العاص، وقال في ذلك أشعاراً، ولم يزل فيما بين مكة والمدينة حتى توفي زياد فرجع إلى بلاده، وقد طول ابن جرير هذه القصة‏.‏

وقد ذكر ابن جرير في هذه السنة من الحوادث ما رواه من طريق الواقدي‏:‏ حدثني يحيى بن سعيد بن دينار عن أبيه أن معاوية كان قد عزم على تحويل المنبر النبوي من المدينة إلى دمشق وأن يأخذ العصاة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسكها في يده إذا خطب فيقف على المنبر وهو ممسكها، حتى قال أبو هريرة، وجابر بن عبد الله‏:‏ يا أمير المؤمنين، نذكرك الله أن تفعل هذا فإن هذا، لا يصلح أن يخرج المنبر من موضع وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يخرج عصاه من المدينة‏.‏

فترك ذلك معاوية، ولكن زاد في المنبر ست درجات واعتذر إلى الناس‏.‏

ثم روى الواقدي‏:‏ أن عبد الملك بن مروان في أيامه عزم على ذلك أيضاً، فقيل له‏:‏ إن معاوية كان قد عزم على هذا ثم ترك، وأنه لما حرك المنبر خسفت الشمس فترك‏.‏

ثم لما حج الوليد بن عبد الملك أراد ذلك أيضاً، فقيل له‏:‏ إن معاوية وأباك أرادا ذلك ثم تركاه، وكان السبب في تركه أن سعيد بن المسيب كلم عمر بن عبد العزيز أن يكلمه في ذلك ويعظه فترك‏.‏

ثم لما حج سليمان أخبره عمر بن عبد العزيز بما كان عزم عليه الوليد، وأن سعيد بن المسيب نهاه عن ذلك‏.‏

فقال‏:‏ ما أحب أن يذكر هذا عن عبد الملك ولا عن الوليد، وما يكون لنا أن نفعل هذا، مالنا وله، وقد أخذنا الدنيا فهي في أيدينا، فنريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام يفد إليه الناس فنحمله إلى ما قبلنا‏.‏

هذا ما لا يصلح رحمه الله‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ عزل معاوية عن مصر معاوية بن خديج، وولى عليها من إفريقية مسلمة بن مخلّد‏.‏

وفيها‏:‏ افتتح عقبة بن نافع الفهري عن أمر معاوية بلاد أفريقية، واختط القيروان - وكان غيضة تأوي إليها السباع والوحوش والحيات العظام‏.‏

فدعا الله تعالى فلم يبق فيها شيء من ذلك، حتى إن السباع صارت تخرج منها تحمل أولادها، والحيات يخرجن من أجمارهن هوارب - فأسلم خلق كثير من البربر فبنى في مكانها القيروان‏.‏

وفيها‏:‏ غزا بسر بن أبي أرطاة وسفيان بن عوف أرض الروم‏.‏

وفيها‏:‏ غزا فضالة بن عبيد البحر‏.‏

 وفيها‏:‏ توفي  مدلاج بن عمرو السلمي صحابي جليل، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر له ذكراً في الصحابة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/50‏)‏

 صفية بنت حيي بن أخطب

ابن شعبة بن ثعلبة بن عبد كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن نحوم، أم المؤمنين النضرية من سلالة هارون عليه السلام‏.‏

وكانت مع أبيها وابن عمها أخطب بالمدينة، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر‏.‏

وقتل أبوها مع بني قريظة صبراً كما قدمنا فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر كانت في جملة السبي، فوقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي، فذكر له جمالها، وأنها بنت ملكهم، فاصطفاها لنفسه وعوضه منها، وأسلمت وأعتقها وتزوجها‏.‏

فلما حلت بالصهباء بنى بها، وكانت ماشطتها أم سليم، وقد كانت تحت ابن عمها كنانة بن أبي الحقيق فقتل في المعركة، ووجد رسول الله بخدها لطمة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما هذه‏؟‏‏)‏‏)‏

فقالت‏:‏ إني رأيت كأن القمر أقبل من يثرب فسقط في حجري فقصيّت المنام على ابن عمي فلطمني، وقال‏:‏ تتمنين أن يتزوجك ملك يثرب‏؟‏ فهذه من لطمته‏.‏

وكانت من سيدات النساء عبادةً وورعاً وزهادةً وبراً وصدقة، رضي الله عنها وأرضاها‏.‏

قال الواقدي‏:‏ توفيت سنة خمسين‏.‏

وقال غيره‏:‏ سنة ست وثلاثين، والأول أصح‏.‏

 وأما أم شريك الأنصارية

ويقال‏:‏ العامرية، فهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، فقيل قبلها‏.‏

وقيل‏:‏ لم يقبلها، ولم تتزوج حتى مات رضي الله عنها وهي التي سقيت بدلو من السماء لما منعها المشركون الماء، فأسلموا عند ذلك‏.‏

واسمها‏:‏ غزية‏.‏

وقيل‏:‏ عزيلة بني عامر على الصحيح‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ ماتت سنة خمسين ولم أره لغيره‏.‏

 وأما عمرو بن أمية الضمري

فصحابي جليل، أسلم بعد أُحد، وأول مشاهدة بئر معونة، وكان ساعي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى النجاشي في تزويج أم حبيبة، وأن يأتي بمن بقي من المسلمين، وله أفعال حسنة، وآثار محمودة رضي الله عنه، توفي في خلافة معاوية‏.‏

وذكر أبو الفرج ابن الجوزي - في كتابه ‏(‏المنتظم‏)‏ -‏:‏ أن في هذه السنة توفي جبير بن مطعم وحسان بن ثابت، والحكم بن عمرو الغفاري، ودحية بن خليفة الكلبي، وعقيل بن أبي طالب، وعمرو بن أمية الضمري بدري، وكعب بن مالك، والمغيرة بن شعبة، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حيي، وأم شريك الأنصارية‏.‏

رضي الله عنهم أجمعين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/51‏)‏

 أما جبير بن مطعم

ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي أبو محمد‏.‏

وقيل‏:‏ أبو عدي المدني، فإنه قدم وهو مشرك في فداء أسارى بدر، فلما سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة الطور‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‏}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 35‏]‏ دخل في قلبه الإسلام، ثم أسلم عام خيبر‏.‏

وقيل‏:‏ زمن الفتح، والأول أصح‏.‏

وكان من سادات قريش وأعلمها بالأنساب، أخذ ذلك عن الصديق، والمشهور أنه توفي سنة ثمان وخمسين‏.‏

وقيل‏:‏ سنة تسع وخمسين‏.‏

 وأما حسان بن ثابت

شاعر الإسلام فالصحيح أنه توفي سنة أربع وخمسين كما سيأتي‏.‏

 وأما الحكم بن عمر بن مجدع الغفاري

أخو رافع بن عمرو، ويقال له‏:‏ الحكم بن الأقرع، فصحابي جليل له عند البخاري حديث واحد في النهي عن لحوم الحمر الأنسية‏.‏

استنابه زياد بن أبيه على غزو جبل الأشل فغنم شيئاً كثيراً، فجاء كتاب زياد إليه على لسان معاوية أن يصطفي من الغنيمة لمعاوية ما فيها من الذهب والفضة لبيت ماله فرد عليه‏:‏ إن كتاب الله قبل كتاب المؤمنين، أَوَلم يسمع لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏‏(‏لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏؟‏‏)‏‏)‏، وقسم في الناس غنائمهم‏.‏

فيقال‏:‏ إنه حبس إلى أن مات بمرو في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة إحدى وخمسين رحمه الله‏.‏

 وأما دحية بن خليفة الكلبي

فصحابي جليل، كان جميل الصورة، فلهذا كان جبريل يأتي كثيراً في صورته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى قيصر، أسلم قديماً ولكن لم يشهد بدراً، وشهد ما بعدها، ثم شهد اليرموك، وأقام بالمزة - غربي دمشق - إلى أن مات في خلافة معاوية‏.‏

وفيها‏:‏ توفي عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس القرشي أبو سعيد العبشمي، أسلم يوم الفتح‏.‏

وقيل‏:‏ شهد موته، وغزا خراسان، وافتتح سجستان وكابل وغيرها، وكانت له دار بدمشق وأقام بالبصرة‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/52‏)‏

وقيل‏:‏ بمرو، قال محمد بن سعد وغير واحد‏:‏ مات بالبصرة سنة خمسين‏.‏

وقيل‏:‏ سنة إحدى وخمسين، وصلى عليه زياد، وترك عدة من الذكور، وكان اسمه في الجاهلية عبد كلال‏.‏

وقيل‏:‏ عبد كلوب‏.‏

وقيل‏:‏ عبد الكعبة، فسماه رسول صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن‏.‏

وهو كان أحد السفيرين بين معاوية والحسن رضي الله عنهما‏.‏

وفيها‏:‏ توفي عثمان بن أبي العاص الثقفي، أبو عبد الله الطائفي، له ولأخيه الحكم صحبة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فاستعمله رسول الله على الطائف، وأمّره عليها أبو بكر وعمر، فكان أميرهم وإمامهم مدة طويلة حتى مات سنة خمسين‏.‏ وقيل‏:‏ سنة إحدى وخمسين رضي الله عنه‏.‏

 وأما عقيل بن أبي طالب

أخو علي فكان أكبر من جعفر بعشر سنين، وجعفر أكبر من علي بعشر سنين، كما أن طالب أكبر من عقيل بعشر، وكلهم أسلم إلا طالباً، أسلم عقيل قبل الحديبية وشهد مؤتة‏.‏

وكان من أنسب قريش، وكان قد ورث أقرباءه الذين هاجروا وتركوا أموالهم بمكة، ومات في خلافة معاوية‏.‏

وفيها‏:‏ كانت وفاة عمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعي، أسلم قبل الفتح وهاجر‏.‏

وقيل‏:‏ إنه إنما أسلم عام حجة الوداع‏.‏

وورد في حديث أن رسول الله دعا له أن يمتعه الله بشبابه، فبقي ثمانين سنة لا يُرى في لحيته شعرة بيضاء‏.‏

ومع هذا كان أحد الأربعة الذين دخلوا على عثمان، ثم صار بعد ذلك من شيعة علي، فشهد معه الجمل وصفين، وكان من جملة من أعان حجر بن عدي فتطلبه زياد فهرب إلى الموصل‏.‏

فبعث معاوية إلى نائبها فوجدوه قد اختفى في غار فنهشته حية فمات، فقطع رأسه فبعث به إلى معاوية، فطيف به في الشام وغيرها، فكان أول رأس طيف به‏.‏

ثم بعث معاوية برأسه إلى زوجته آمنة بنت الشريد -وكانت في سجنه - فأُلقي في حجرها، فوضعت كفها على جبينه ولثمت فمه وقالت‏:‏ غيبتموه عني طويلاً، ثم أهديتموه إليّ قتيلاً، فأهلا بها من هدية غير قالية ولا مقيلة‏.‏

 وأما كعب بن مالك الأنصاري السلمي

شاعر الإسلام، فأسلم قديماً وشهد العقبة ولم يشهد بدراً كما ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ في سياق توبة الله عليه، فإنه كان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم من تخلفهم عن غزوة تبوك كما ذكرنا ذلك مفصلاً في التفسير، وكما تقدم في غزوة تبوك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/53‏)‏

وغلط ابن الكلبي في قوله‏:‏ إنه شهد بدراً، وفي قوله‏:‏ إنه توفي قبل إحدى وأربعين، فإن الواقدي - وهو أعلم منه - قال‏:‏ توفي سنة خمسين‏.‏

وقال القاسم بن عدي سنة إحدى وخمسين رضي الله عنه‏.‏

 المغيرة بن شعبة

ابن أبي عامر بن مسعود أبو عيسى ويقال‏:‏ أبو عبد الله الثقفي، وعروة بن مسعود الثقفي عم أبيه‏.‏

كان المغيرة من دهاة العرب، وذوي آرائها، أسلم عام الخندق بعد ما قتل ثلاثة عشر من ثقيف، مرجعهم من عند المقوقس وأخذ أموالهم فغرم دياتهم عروة بن مسعود، وشهد الحديبية، وكان واقفاً يوم الصلح على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف صلتاً‏.‏

وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلام أهل الطائف هو وأبو سفيان بن حرب فهدما اللات، وقدمنا كيفية هدمهما إياها‏.‏

وبعثه الصديق إلى البحرين، وشهد اليمامة واليرموك فأصيبت عينه يومئذ‏.‏

وقيل‏:‏ بل نظر إلى الشمس وهي كاسفة فذهب ضوء عينه‏.‏

وشهد القادسية، وولاه عمر فتوحاً كثيرة، منه همدان وميسان، وهو الذي كان رسول سعد إلى رستم فكلمه بذلك الكلام البليغ، فاستنابه عمر على البصرة‏.‏

فلما شهد عليه بالزنا ولم يثبت عزله عنها وولاه الكوفة، واستمر به عثمان حيناً ثم عزله، فبقي معتزلاً حتى كان أمر الحكمين فلحق بمعاوية‏.‏

فلما قتل علي وصالح معاوية الحسن ودخل الكوفة ولاه عليها فلم يزل أميرها حتى مات في هذه السنة على المشهور‏.‏ قاله محمد بن سعد وغيره‏.‏

وقال الخطيب‏:‏ أجمع الناس على ذلك، وذلك في رمضان منها عن سبعين سنة‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ مات سنة تسع وأربعين‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ سنة إحدى وخمسين‏.‏

وقيل‏:‏ سنة ثمان وخمسين‏.‏

وقيل‏:‏ سنة ست وثلاثين وهو غلط‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وكان أصهب الشعر جداً، أكشف، مقلص الشفتين، أهتم ضخم الهامة، عبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين، وكان يفرق رأسه أربعة قرون‏.‏

وقال الشعبي‏:‏ القضاة أربعة أبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وأبو موسى‏.‏

والدهاة أربعة‏:‏ معاوية، وعمرو، والمغيرة، وزياد‏.‏

وقال الزهري‏:‏ الدهاة في الفتنة خمسة‏:‏ معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة وكان معتزلاً، وقيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن بديل بن ورقاء، وكانا مع علي‏.‏

قلت‏:‏ والشيعة يقولون‏:‏ الأشباح خمسة‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين‏.‏

والأضداد خمسة‏:‏ أبو بكر، وعمر، ومعاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة‏.‏

وقال الشعبي‏:‏ سمعت المغيرة يقول‏:‏ ما غلبني أحد إلا فتى مرة، أردت أن أتزوج امرأة فاستشرته فيها‏.‏

فقال‏:‏ أيها الأمير‏!‏ لا أرى لك أن تتزوجها‏.‏

فقلت له‏:‏ لِمَ‏؟‏

فقال‏:‏ إني رأيت رجلاً يقبلها‏.‏

ثم بلغني عنه أنه تزوجها‏.‏

فقلت له‏:‏ ألم تزعم أنك رأيت رجلاً يقبلها‏؟‏

فقال‏:‏ نعم‏!‏ رأيت أباها يقبلها وهي صغيرة‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ سمعت قبيصة بن جابر يقول‏:‏ صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب، لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج المغيرة من أبوابها كلها‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/54‏)‏

وقال ابن وهب‏:‏ سمعت مالكاً يقول‏:‏ كان المغيرة بن شعبة يقول‏:‏ صاحب المرأة الواحدة يحيض معها، ويمرض معها، وصاحب المرأتين بين نارين يشتعلان، وصاحب الأربعة قرير العين، وكان يتزوج أربعة معاً ويطلقهن معاً‏.‏

وقال عبد الله بن نافع الصائغ‏:‏ أحصن المغيرة ثلثمائة امرأة‏.‏

وقال غيره‏:‏ ألف امرأة‏.‏

وقيل‏:‏ مائة امرأة‏.‏

وقيل‏:‏ ثمانين امرأة‏.‏

 جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية المصطلقية

وكان سباها رسول صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع، وهي غزوة المصطلق، وكان أبوها ملكهم فأسلمت فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها‏.‏

وكانت قد وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس وكاتبها فأتت رسول الله تستعينه في كتابتها فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أو خير من ذلك‏؟‏‏)‏‏)‏

قالت‏:‏ وما هو يا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أشتريك وأعتقك وأتزوجك‏)‏‏)‏‏.‏

فأعتقها فقال الناس‏:‏ أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتقوا ما بأيديهم من سبي بني المصطلق نحواً من مائة أهل بيت‏.‏

فقالت عائشة‏:‏ لا أعلم امرأة أعظم بركة على أهلها منها‏.‏

وكان اسمها‏:‏ برة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية‏.‏

وكانت امرأة ملاحة - أي حلوة الكلام - توفيت في هذا العام سنة خمسين كما ذكره ابن الجوزي وغيره عن خمس وستين سنة‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ سنة ست وخمسين رضي الله عنها وأرضاها، والله أعلم‏.‏

 سنة إحدى وخمسين

 فيها‏:‏  كان مقتل حجر بن عدي بن جبل بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكبر بن الحارث بن معاوية بن ثور بن يزيغ بن كندي الكوفي‏.‏

ويقال له‏:‏ حجر الخير‏.‏

ويقال له‏:‏ حجر بن الأدبر، لأن أباه عدياً طعن مولياً فسمي الأدبر، وهو من كندة من رؤساء أهل الكوفة‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع علياً وعماراً وشراحيل بن مرة، ويقال‏:‏ شرحبيل بن مرة‏.‏

وروى عنه أبو ليلى مولاه، وعبد الرحمن بن عباس، وأبو البختري الطائي‏.‏

وغزا الشام في الجيش الذين افتتحوا عذراء، وشهد صفين مع علي أميراً‏.‏

وقيل‏:‏ بعذراء من قرا دمشق، ومسجد قبره بها معروف‏.‏

ثم ساق ابن عساكر بأسانيده إلى حجر يذكر طرفاً صالحاً من روايته عن علي وغيره، وقد ذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة من الصحابة، وذكر له وفادة، ثم ذكره في الأول من تابعي أهل الكوفة‏.‏

قال‏:‏ وكان ثقة معروفاً، ولم يرو عن غير علي شيئاً‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ بل قد روى عن عمار وشراحيل بن مرة‏.‏

وقال أبو أحمد العسكري‏:‏ أكثر المحدثين لا يصححون له صحبة، شهد القادسية وافتتح برج عذراء، وشهد الجمل وصفين، وكان مع علي حجر الخير، وهو حجر بن عدي هذا - وحجر الشرف - وهو حجر بن يزيد بن سلمة بن مرة -‏.‏‏(‏ج/ص‏:‏ 8/55‏)‏

وقال المرزباني‏:‏ قد روي أن حجر بن عدي وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخيه هانئ بن عدي، وكان هذا الرجل من عباد الناس وزهادهم، وكان باراً بأمه، وكان كثير الصلاة والصيام‏.‏

قال أبو معشر‏:‏ ما أحدث قط إلا توضأ، ولا توضأ إلا صلى ركعتين‏.‏

هكذا قال غير واحد من الناس‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يعلى بن عبيد، حدثني الأعمش، عن أبي إسحاق‏.‏

قال‏:‏ قال سلمان لحجر‏:‏ يا ابن أم حجر لو تقطعت أعضاؤك ما بلغت الإيمان، وكان إذ كان المغيرة بن شعبة على الكوفة إذا ذكر علياً في خطبته يتنقصه بعد مدح عثمان وشيعته فيغضب حجر هذا ويظهر الإنكار عليه‏.‏

ولكن كان المغيرة فيه حلم وإناة، فكان يصفح عنه ويعظه فيما بينه وبينه، ويحذره غب هذا الصنيع، فإن معارضة السلطان شديد وبالها، فلم يرجع حجر عن ذلك‏.‏

فلما كان في آخر أيام المغيرة قام حجر يوماً، فأنكر عليه في الخطبة وصاح به وذمه بتأخيره العطاء عن الناس، وقام معه فئام الناس لقيامه، يصدقونه ويشنعون على المغيرة‏.‏

ودخل المغيرة بعد الصلاة قصر الإمارة ودخل معه جمهور الأمراء، فأشاروا عليه بردع حجر هذا عما تعاطاه من شق العصى، والقيام على الأمير، وذمروه وحثوه على التنكيل فصفح عنه وحلم به‏.‏

وذكر يونس بن عبيد أن معاوية كتب إلى المغيرة يستمد بمالٍ يبعثه من بيت المال، فبعث عيراً تحمل مالاً فاعترض لها حجر، فأمسك بزمام أولها وقال‏:‏ لا والله حتى يوفى كل ذي حق حقه‏.‏

فقال شباب ثقيف للمغيرة‏:‏ ألا نأتيك برأسه‏؟‏

فقال‏:‏ ما كنت لأفعلن ذلك بحجر، فتركه‏.‏

فلما بلغ معاوية ذلك عزل المغيرة وولىّ زياداً، والصحيح أنه لم يعزل المغيرة حتى مات‏.‏

فلما توفي المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وجمعت الكوفة مع البصرة لزياد دخلها وقد التف على حجر جماعات من شيعة علي يقولون أمره ويشدون على يده، ويسبون معاوية، ويتبرأون منه‏.‏

فلما كان أول خطبة خطبها زياد بالكوفة، ذكر في آخرها فضل عثمان وذم من قتله أو أعان على قتله‏.‏

فقام حجر كما كان يقوم في أيام المغيرة، وتكلم بنحو مما قال المغيرة، فلم يعرض له زياد، ثم ركب زياد إلى البصرة، وأراد أن يأخذ حجراً معه إلى البصرة لئلا يحدث حدثاً‏.‏

فقال‏:‏ إني مريض‏.‏

فقال‏:‏ والله إنك لمريض الدين والقلب والعقل، والله لئن أحدثت شيئاً لأسعين في قتلك‏.‏

ثم سار زياد إلى البصرة فبلغه أن حجراً وأصحابه أنكروا على نائبه بالكوفة - وهو عمرو بن حريث - وحصبوه وهو على المنبر يوم الجمعة‏.‏

فركب زياد إلى الكوفة فنزل في القصر ثم خرج إلى المنبر وعليه قباء سندس، ومطرف خز أحمر، قد فرق شعره‏.‏

وحجر جالس وحوله أصحابه أكثر ما كانوا يومئذ، وكان من لبس من أصحابه يومئذ نحو من ثلاثة آلاف، وجلسوا حوله في المسجد في الحديد والسلاح، فخطب زياد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد‏:‏

فإن غب البغي والغي وخيم، وإن هؤلاء أمنوني فاجترأوا عليّ، وأيم الله لئن لم تستقيموا لأداوينكم بدوائكم‏.‏

ثم قال‏:‏ ما أنا بشيء إن لم أمنع ساحة الكوفة من حجرٍ وأصحابه وأدعه نكالاً لمن بعده، ويل أمك يا حجر، سقط بك العشاء على سرحان‏.‏

ثم قال‏:‏

أبلغ نصحية أن راعي إبلها * سقط العشاء به على سرحان

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/56‏)‏

وجعل زياد يقول في خطبته‏:‏ إن من حق أمير المؤمنين - يعني كذا وكذا - فأخذ حجر كفاً حصباء فحصبه وقال‏:‏ كذبت‏!‏ عليك لعنة الله‏.‏

فانحدر زياد فصلى، ثم دخل القصر واستحضر حجراً‏.‏

ويقال‏:‏ إن زياداً لما خطب طول الخطبة وأخر الصلاة، فقال له حجر‏:‏ الصلاة، فمضى في خطبته، فلما خشي فوت الصلاة عمد إلى كف حصباء ونادى الصلاة، وثار الناس معه‏.‏

فلما رأى ذلك زياد نزل فصلى بالناس‏.‏

فلما انصرف من صلاته كتب إلى معاوية في أمره وكثر عليه، فكتب إليه معاوية‏:‏ أن شده في الحديد واحمله إليّ، فبعث إليه زياد وإلى الشرطة - وهو شداد بن الهيثم -ومعه أعوانه فقال له‏:‏ إن الأمير يطلبك‏.‏

فامتنع من الحضور إلى زياد، وقام دونه أصحابه، فرجع الوالي إلى زياد فأعلمه، فاستنهض زياد جماعات من القبائل فركبوا مع الوالي إلى حجر وأصحابه فكان بينهم قتال بالحجارة والعصي، فعجزوا عنه‏.‏

فندب محمد بن الأشعث وأمهله ثلاثاً وجهز معه جيشاً، فركبوا في طلبه ولم يزالوا حتى أحضروه إلى زياد‏.‏

وما أغنى عنه قومه ولا من كان يظن أن ينصره، فعند ذلك قيده زياد وسجنه عشرة أيام وبعث به إلى معاوية، وبعث معه جماعة يشهدون عليه أنه سب الخليفة، وأنه حارب الأمير‏.‏

وأنه يقول‏:‏ إن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل علي بن أبي طالب‏.‏

وكان من جملة الشهود عليه أبو بردة بن أبي موسى، ووائل بن حجر، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، وإسحاق، وإسماعيل، وموسى بنو طلحة بن عبيد الله، والمنذر بن الزبير، وكثير بن شهاب، وثابت بن ربعي، في سبعين‏.‏

ويقال‏:‏ إنه كتبت شهادة شريح القاضي فيهم، وأنه أنكر ذلك وقال‏:‏ إنما قلت لزياد‏:‏ إنه كان صواماً قواماً، ثم بعث زياد حجراً وأصحابه مع وائل بن حجر، وكثير بن شهاب إلى الشام‏.‏

وكان مع حجر بن عدي بن جبلة الكندي، من أصحابه جماعة‏.‏

قيل‏:‏ عشرون‏.‏

وقيل‏:‏ أربعة عشر رجلاً منهم‏:‏ الأرقم بن عبد الله الكندي، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل، وقبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي، وكريم بن عفيف الخثعمي، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، وكدام بن حيان، وعبد الرحمن بن حسان العريان - من بني تميم - ومحرز بن شهاب التميمي، وعبيد الله بن حوية السعدي التميمي أيضاً‏.‏

فهؤلاء أصحابه الذين وصلوا معه، فساروا بهم إلى الشام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/57‏)‏

ثم إن زياداً أتبعهم برجلين آخرين، عتبة بن الأخنس من بني سعد، وسعد بن عمران الهمداني، فكملوا أربعة عشر رجلاً‏.‏

فيقال‏:‏ إن حجراً لما دخل على معاوية قال‏:‏ السلام عليك يا أمير المؤمنين، فغضب معاوية غضباً شديداً وأمر بضرب عنقه هو ومن معه‏.‏

ويقال‏:‏ إن معاوية ركب فتلقاهم في مرج عذراء‏.‏

ويقال‏:‏ بل بعث إليهم من تلقاهم إلى عذراء تحت الثنية - ثنية العقاب - فقتلوا هناك‏.‏

وكان الذين بعث إليهم ثلاثة وهم‏:‏ هدبة بن فياض القضاعي، وحضير بن عبد الله الكلابي، وأبو شريف البدوي، فجاؤوا إليهم فبات حجر وأصحابه يصلون طول الليل، فلما صلوا الصبح قتلوهم، وهذا هو الأشهر، والله أعلم‏.‏

وذكر محمد بن سعد أنهم دخلوا عليه ثم ردهم فقتلوا بعذراء، وكان معاوية قد استشار الناس فيهم حتى وصل بهم إلى برج عذراء فمن مشير بقتلهم، ومن مشير بتفريقهم في البلاد‏.‏

فكتب معاوية إلى زياد كتاباً آخر في أمرهم، فأشار عليه بقتلهم إن كان له حاجة في ملك العراق، فعند ذلك أمر بقتلهم، فاستوهب منه الأمراء واحداً بعد واحد حتى استوهبوا منه ستة، وقتل منهم ستة أولهم حجر بن عدي، ورجع آخر فعفى عنه معاوية‏.‏

وبعث بآخر نال من عثمان وزعم أنه أول من جار في الكلم ومدح علياً، فبعث به معاوية إلى زياد وقال له‏:‏ لم تبعث إليّ فيهم أردى من هذا‏.‏

فلما وصل إلى زياد ألقاه في الناطف حياً وهو عبد الرحمن بن حسان الفري‏.‏

وهذه تسمية الذين قتلوا بعذراء‏:‏ حجر بن عدي، وشريك بن شداد، وصيفي بن فسيل، وقبيصة بن ضبيعة، ومحرز بن شهاب المنقري، وكرام بن حيان‏.‏

ومن الناس من يزعم أنهم مدفونون بمسجد القصب في عرفة، والصحيح بعذراء‏.‏

ويذكر أن حجراً لما أرادوا قتله قال‏:‏ دعوني حتى أتوضأ‏.‏

فقالوا‏:‏ توضأ‏.‏

فقال‏:‏ دعوني حتى أصلي ركعتين فصلاهما وخفف فيهما، ثم قال‏:‏ لولا أن يقولوا ما بي جزع من الموت لطولتهما‏.‏

ثم قال‏:‏ قد تقدم لهما صلوات كثيرة‏.‏

ثم قدموه للقتل وقد حفرت قبورهم ونشرت أكفانهم، فلما تقدم إليه السياف ارتعدت فرائصه فقيل له‏:‏ إنك قلت لست بجازع‏.‏

فقال‏:‏ ومالي لا أجزع وأنا أرى قبراً محفوراً، وكفناً منشوراً، وسيفاً مشهوراً‏.‏

فأرسلها مثلاً‏.‏ ثم تقدم إليه السياف، وهو أبو شريف البدوي‏.‏

وقيل‏:‏ تقدم إليه رجل أعور فقال له‏:‏ أمدد عنقك‏.‏

فقال‏:‏ لا أعين على قتل نفسي، فضربه فقتله‏.‏

وكان قد أوصى أن يدفن في قيوده، ففعل به ذلك‏.‏

وقيل‏:‏ بل صلوا عليه وغسلوه‏.‏

وروي أن الحسن بن علي قال‏:‏ أصلوا عليه ودفنوه في قيوده‏؟‏

قالوا‏:‏ نعم ‏!‏

قال‏:‏ حجهم والله‏.‏

والظاهر أن الحسين قائل هذا فإن حجراً قتل في سنة إحدى وخمسين‏.‏

وقيل‏:‏ سنة ثلاث وخمسين، وعلى كل تقدير فالحسن قد مات قبله، والله أعلم‏.‏

فقتلوه رحمه الله وسامحه‏.‏

وروينا أن معاوية لما دخل على أم المؤمنين عائشة فسلم عليها من وراء حجاب - وذلك بعد مقتله حجراً وأصحابه - قالت له‏:‏ أين ذهب عنك حلمك يا معاوية حين قتلت حجراً وأصحابه ‏؟‏‏.‏

فقال لها‏:‏ فقدته حين غاب عني من قومي مثلك يا أماه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/58‏)‏

ثم قال لها‏:‏ فكيف برّي بك يا أمه‏؟‏

فقالت‏:‏ إنك بي لبار‏.‏

فقال‏:‏ يكفيني هذا عند الله، وغداً لي ولحجر موقف بين يدي الله عز وجل‏.‏

وفي رواية أنه قال‏:‏ إنما قتله الذين شهدوا عليه‏.‏

وروى ابن جرير‏:‏ أن معاوية جعل يغرغر بالموت، وهو يقول‏:‏ إن يومي بك يا حجر بن عدي لطويل، قالها ثلاثاً‏.‏ فالله أعلم‏.‏

وقال محمد بن سعد في ‏(‏الطبقات‏)‏‏:‏ ذكر بعض أهل العلم أن حجراً وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخيه هانئ بن عدي - وكان من أصحاب علي -‏.‏

فلما قدم زياد بن أبي سفيان والياً على الكوفة دعا بحجر بن عدي فقال‏:‏ تعلم أني أعرفك، وقد كنت أنا وأباك على أمر قد علمت - يعني‏:‏ من حُب علي - وأنه قد جاء غير ذلك، وإني أنشدك الله أن تقطر لي من دمك قطرة فأستفرغه كله، أملْك عليك لسانك، وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك، وحوائجك مقضية لدّي، فاكفني نفسك فإني أعرف عجلتك‏.‏

فأنشدك الله في نفسك، وإياك وهذه السقطة وهؤلاء السفهاء أن يستنزلوك عن رأيك‏.‏

فقال حجر‏:‏ قد فهمت، ثم انصرف إلى منزله، فأتاه الشيعة‏.‏

فقالوا‏:‏ ما قال لك ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ قال لي‏:‏ كذا وكذا‏.‏

وسار زياد إلى البصرة ثم جعلوا يترددون إليه يقولون له‏:‏ أنت شيخنا، وإذا جاء المسجد مشوا معه، فأرسل إليه عمرو بن حريث - نائب زياد على الكوفة - يقول‏:‏ ما هذه الجماعة وقد أعطيت الأمير ما قد علمت‏؟‏

فقال للرسول‏:‏ إنهم ينكرون ما أنتم عليه، إليك وراءك أوسع لك‏.‏

فكتب عمرو بن حريث إلى زياد‏:‏ إن كان لك حاجة بالكوفة فالعجل العجل، فأعجل زياد السير إلى الكوفة‏.‏

فلما وصل بعث إليه عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله البجلي، وخالد بن عرفطة في جماعة من أشراف الكوفة لينهوه عن هذه الجماعة، فأتوه فجعلوا يحدثونه ولا يرد عليهم شيئاً‏.‏

بل جعل يقول‏:‏ يا غلام أعلفت البكرَ‏؟‏ لبكر مربوط في الدار‏.‏

فقال له عدي بن حاتم‏:‏ أمجنون أنت‏؟‏

نكلمك وأنت تقول‏:‏ أعلفت البكر‏.‏

ثم قال عدي لأصحابه‏:‏ ما كنت أظن هذا البائس بلغ به الضعف كل ما أرى‏.‏

ثم نهضوا فأخبروا زياداً ببعض الخبر وكتموه بعضاً، وحسنوا أمره وسألوه الرفق به فلم يقبل، بل بعث إليه الشرط والمحاربة، فأُتي به وبأصحابه فقال له‏:‏ مالك ويلك ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ إني على بيعتي لمعاوية، فجمع زياد سبعين من أهل الكوفة، فقال‏:‏ اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه، ففعلوا، ثم أوفدهم إلى معاوية، وبلغ الخبر عائشة فأرسلت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم‏.‏

فلما دخلوا على معاوية قرأ كتاب زياد فقال معاوية‏:‏ اخرجوا بهم إلى عذراء فاقتلوهم هناك، فذهبوا بهم ثم قتلوا منهم سبعة، ثم جاء رسول معاوية بالتخلية عنهم، وأن يطلقوهم كلهم‏.‏

فوجدوا قد قتلوا منهم سبعة، وأطلقوا السبعة الباقين، ولكن كان حجر فيمن قتل في السبعة الأول‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/59‏)‏

وكان قد سألهم أن يصلي ركعتين قبل أن يقتلوه، فصلى ركعتين فطوّل فيهما، وقال‏:‏ إنهما لأخف صلاة صليتها‏.‏

وجاء رسول عائشة بعد ما فرغ من شأنهم‏.‏

فلما حج معاوية قالت له عائشة‏:‏ أين عزب عنك حلمك حين قتلت حجراً ‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ حين غاب عني مثلك من قومي‏.‏

ويروى أن عبد الرحمن بن الحارث قال لمعاوية‏:‏ أقتلت حجر بن الأدبر‏؟‏

فقال معاوية‏:‏ قتله أحب إليّ من أن أقتل معه مائة ألف‏.‏

وقد ذكر ابن جرير وغيره عن حجر بن عدي وأصحابه أنهم كانوا ينالون من عثمان، ويطلقون فيه مقالة الجور، وينتقدون على الأمراء، ويسارعون في الإنكار عليهم، ويبالغون في ذلك، ويتولون شيعة علي، ويتشددون في الدين‏.‏

ويروى‏:‏ أنه لما أخذ في قيوده سائراً من الكوفة إلى الشام، تلقته بناته في الطريق وهن يبكين، فمال نحوهن فقال‏:‏ إن الذي يطعمكم ويكسوكم هو الله وهو باقٍ لكنّ بعدي، فعليكنّ بتقوى الله وعبادته، وإني إما أن أقتل في وجهي وهي شهادة، أو أن أرجع إليكن مكرماً، والله خليفتي عليكم‏.‏

ثم انصرف مع أصحابه في قيوده‏.‏

ويقال‏:‏ إنه أوصى أن يدفن في قيوده ففعل به ذلك، ولكن صلوا عليهم ودفنوهم مستقبل القبلة، رحمهم الله وسامحهم‏.‏

وقد قالت امرأة من المتشيعات ترثي حجراً - وهند بنت زيد بن مخرمة الأنصارية -‏.‏

ويقال‏:‏ إنها لهند أخت حجر‏.‏ فالله أعلم‏.‏

ترفع أيها القمر المنير * تبصر هل ترى حجراً يسير

يسير إلى معاوية بن حربٍ * ليقتله كما زعم الأمير

يرى قتل الخيار عليه حقاً * له من شر أمته وزير

ألا يا ليت حجراً مات يوماً * ولم يُنحر كما نحر البعير

تجبرت الجبابر بعد حجر * وطاب لها الخورنق والسدير

وأصبحت البلاد له محولاً * كأن لم يحيها مزنٌ مطير

ألا يا حجر حجر بن عدي * تلقتك السلامة والسرور

أخاف عليك ما أردى عدياً * وشيخاً في دمشق له زبير

فإن تهلك فكل زعيم قومٍ * من الدنيا إلى هلكٍ يصير

فرضوا أن الآله عليك ميتاً * وجنات بها نعمٌ وحور

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/60‏)‏

 وذكر ابن عساكر له مراثي كثيرة‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدثني حرملة أنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن أبي الأسود قال‏:‏ دخل معاوية على عائشة فقالت‏:‏ ما حملك على قتل أهل عذراء، حجراً وأصحابه‏؟‏

فقال‏:‏ يا أم المؤمنين إني رأيت في قتلهم صلاحاً للأمة، وفي مقامهم فساداً للأمة‏.‏

فقالت‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد ضعيف منقطع‏.‏

وقد رواه عبد الله بن المبارك، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود أن عائشة قالت‏:‏ بلغني أنه سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء‏.‏

وقال يعقوب‏:‏ حدثني ابن لهيعة، حدثني الحارث بن يزيد، عن عبد الله بن رزين الغافقي‏.‏

قال‏:‏ سمعت علياً يقول‏:‏ يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود‏.‏

قال‏:‏ يقتل حجر وأصحابه - ابن لهيعة ضعيف -‏.‏

وروى الإمام أحمد‏:‏ عن ابن علية، عن ابن عون، عن نافع قال‏:‏ كان ابن عمر في السوق فنُعي له حجر فأطلق حبوته وقام وغلب عليه النحيب‏.‏

وروى أحمد‏:‏ عن عفان، عن ابن علية، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة - أو غيره - قال‏:‏ لما قدم معاوية المدينة دخل على عائشة فقالت‏:‏ أقتلت حجراً‏؟‏

فقال‏:‏ يا أم المؤمنين، إني وجدت قتل رجل في صلاح الناس خير من استحيائه في فسادهم‏.‏

وقال حماد بن سلمة‏:‏ عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن مروان‏.‏

قال‏:‏ دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة فقالت‏:‏ يا معاوية، قتلت حجراً وأصحابه وفعلت الذي فعلت، أما خشيت أن أخبأ لك رجلاً يقتلك ‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ لا، إني في بيت الأمان، سمعت رسول الله يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏الإيمان ضد الفتك لا يفتك مؤمن‏)‏‏)‏‏.‏

يا أم المؤمنين كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك ‏؟‏‏.‏

قالت‏:‏ صالح‏.‏

قال‏:‏ فدعيني وحجراً حتى نلتقي عند ربنا عز وجل‏.‏

وفي رواية‏:‏ أنها حجبته وقالت‏:‏ لا يدخل عليّ أبداً، فلم يزل يتلطف حتى دخل فلامته في قتله حجراً، فلم يزل يعتذر حتى عذرته‏.‏

وفي رواية‏:‏ أنها كانت تتوعده وتقول‏:‏ لولا يغلبنا سفهاؤنا لكان لي ولمعاوية في قتله حجراً شأن، فلما اعتذر إليها عذرته‏.‏

وذكر ابن الجوزي في ‏(‏المنتظم‏)‏ أنه توفي في هذه السنة من الأكابر جرير بن عبد الله البجلي، وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث، وحارثة بن النعمان، وحجر بن عدي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن أنيس، وأبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي، رضي الله عنهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/61‏)‏

 فأما جرير بن عبد الله البجلي

فأسلم بعد نزول المائدة، وكان إسلامه في رمضان سنة عشر، وكان قدومه ورسول الله يخطب، وكان قد قال في خطبته‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه يقدم عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن، وإن على وجهه مسحة ملك‏)‏‏)‏‏.‏

فلما دخل نظر الناس إليه، فكان كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروه بذلك فحمد الله تعالى‏.‏

ويروى‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جالسه بسط له رداءه وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه‏)‏‏)‏‏.‏

وبعثه رسول الله إلى ذي الخلصة - وكان بيتاً تعظمه دوس في الجاهلية - فذكر أنه لا يثبت على الخيل، فضرب في صدره وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ثبته، واجعله هادياً مهدياً‏)‏‏)‏ فذهب فهدمه‏.‏

وفي ‏(‏الصحيحين‏)‏ أنه قال‏:‏ ما حجبني رسول الله منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم‏.‏

وكان عمر بن الخطاب يقول‏:‏ جرير يوسف هذه الأمة‏.‏

وقال عبد الملك بن عمير‏:‏ رأيت جريراً كأن وجهه شقة قمر‏.‏

وقال الشعبي‏:‏ كان جرير هو وجماعة مع عمر في بيت، فاشتم عمر من بعضهم ريحاً، فقال‏:‏ عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ‏.‏

فقال جرير‏:‏ أو نقوم كلنا فنتوضأ يا أمير المؤمنين ‏؟‏‏.‏

فقال عمر‏:‏ نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام‏.‏

وقد كان عاملاً لعثمان على همدان، يقال‏:‏ أنه أصيبت عينه هناك، فلما قتل عثمان اعتزل علياً معاوية، ولم يزل مقيماً بالجزيرة حتى توفي بالسراة، سنة إحدى وخمسين، قاله الواقدي‏.‏

وقيل‏:‏ سنة أربع‏.‏

وقيل‏:‏ سنة ست وخمسين‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وفي هذه السنة ولي زياد على خراسان بعد موت الحكم بن عمرو الربيع بن زياد الحارثي، ففتح بلخ صلحاً، وكانوا قد غلقوها بعد ما صالحهم الأحنف، وفتح قوهستان عنوة‏.‏

وكان عندها أتراك فقتلهم ولم يبق منهم إلا ترك طرخان، فقتله قتيبة بن مسلم بعد ذلك كما سيأتي‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ غزا الربيع ما وراء النهر فغنم وسلم، وكان قد قطع ما وراء النهر قبله الحكم بن عمرو، وكان أول من شرب من النهر غلام للحكم، فسقى سيده وتوضأ الحكم وصلى وراء النهر ركعتين ثم رجع‏.‏

فلما كان الربيع هذا غزا ما وراء النهر فغنم وسلم‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ حج بالناس يزيد بن معاوية فيما قاله أبو معشر والواقدي‏.‏

 وأما جعفر بن أبي سفيان بن عبد المطلب

فأسلم مع أبيه حين تلقياه بين مكة والمدينة عام الفتح، فلما ردهما قال أبو سفيان‏:‏ والله لئن لم يأذن لي عليه لآخذن بيد هذا فأذهبن في الأرض فلا يدري أين أذهب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/62‏)‏

فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم رق له وأذن له، وقبل إسلامهما فأسلما إسلاماً حسناً، بعد ما كان أبو سفيان يؤذي رسول الله أذىً كثيراً، وشهد حنيناً، وكان ممن ثبت يومئذ رضي الله عنهما‏.‏

 وأما حارثة بن النعمان الأنصاري النجاري

فشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد، وكان من فضلاء الصحابة‏.‏

وروى أنه رأى جبريل مع رسول الله بالمقاعد يتحدثان بعد خيبر، وأنه رآه يوم بني قريظة في صورة دحية‏.‏

وفي ‏(‏الصحيح‏)‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع قراءته في الجنة‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن يونس، ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، ثنا محمد بن عثمان، عن أبيه أن حارثة بن النعمان كان قد كف بصره فجعل خيطاً من مصلاه إلى باب حجرته‏.‏

فإذا جاءه المسكين أخذ من ذلك التمر، ثم أخذ يمسك بذلك الخيط حتى يضع ذلك في يد المسكين‏.‏

وكان أهله يقولون له‏:‏ نحن نكفيك ذلك‏.‏

فيقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏مناولة المسكين تقي ميتة السوء‏)‏‏)‏‏.‏

وأما حجر بن عدي فقد تقدمت قصته مبسوطة‏.‏

 وأما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي

فهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، وأخته عاتكة زوجة عمر، وأخت عمر فاطمة زوجة سعيد‏.‏

أسلم قبل عمر هو وزوجته فاطمة، وهاجرا، وكان من سادات الصحابة‏.‏

قال عروة، والزهري، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، والواقدي وغير واحد‏:‏ لم يشهد بدراً لأنه قد كان بعثه رسول الله هو وطلحة بن عبيد الله بين يديه يتجسسان أخبار قريش، فلم يرجعا حتى فرغ من بدر، فضرب لهما رسول الله بسهمهما وأجرهما‏.‏

ولم يذكره عمر في أهل الشورى لئلا يحابى بسبب قرابته من عمر فيولى فتركه لذلك، وإلا فهو ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة في جملة العشرة، كما صحت بذلك الأحاديث المتعددة الصحيحة‏.‏

ولم يتول بعده ولاية، وما زال كذلك حتى مات بالكوفة‏.‏

وقيل‏:‏ بالمدينة وهو الأصح‏.‏

قال الفلاس وغيره‏:‏ سنة إحدى وخمسين‏.‏

وقيل سنة ثنتين وخمسين، والله أعلم‏.‏

وكان رجلاً طوالاً أشعر، وقد غسله سعد، وحمل من العقيق على رقاب الرجال إلى المدينة، وكان عمره يومئذ بضعاً وسبعين سنة‏.‏

 وأما عبد الله أنيس بن الجهني أبو يحيى المدني

فصحابي جليل شهد العقبة ولم يشهد بدراً‏.‏

وشهد ما بعدها، وكان هو ومعاذ يكسران أصنام الأنصار، له في ‏(‏الصحيح‏)‏ حديث أن ليلة القدر ثلاث وعشرين‏.‏

وهو الذي بعثه رسول الله إلى خالد بن سفيان الهذلي، فقتله بعرنة، وأعطاه رسول الله مخصره وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذه آية ما بينى وبينك يوم القيامة‏)‏‏)‏ فأمر بها فدفنت معه في أكفانه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/63‏)‏

وقد ذكر ابن الجوزي أنه توفي سنة إحدى وخمسين‏.‏

وقال غيره‏:‏ سنة أربع وخمسين‏.‏

وقيل‏:‏ سنة ثمانين‏.‏

 وأما أبو بكرة نفيع بن الحارث

ابن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة الثقفي فصحابي جليل كبير القدر‏.‏

ويقال كان اسمه‏:‏ مسروح وإنما قيل له‏:‏ أبو بكرة لأنه تدلى في بكرة يوم الطائف فأعتقه رسول الله وكل مولى فر إليهم يومئذ‏.‏

وأمه سمية هي أم زياد وكانا ممن شهد على المغيرة بالزنا هو وأخوه زياد ومعهما سهل بن معبد، ونافع بن الحارث‏.‏

فلما تلكأ زياد في الشهادة جلد عمر الثلاثة الباقين، ثم استتابهم فتابوا إلا أبا بكرة فإنه صمم على الشهادة‏.‏

وقال المغيرة‏:‏ يا أمير المؤمنين اشفني من هذا العبد‏.‏

فنهره عمر وقال له‏:‏ اسكت ‏!‏ لو كملت الشهادة لرجمتك بأحجارك‏.‏

وكان أبو بكرة خير هؤلاء الشهود، وكان ممن اعتزل الفتن فلم يكن في خيرهما، ومات في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ قبلها بسنة‏.‏

وقيل‏:‏ بعدها بسنة، وصلى عليه أبو برزة الأسلمي، وكان قد آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

 وفيها‏:‏  توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء سنة سبع‏.‏

قال ابن عباس - وكان ابن أختها أم الفضل لبابة بنت الحارث -‏:‏ تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، وثبت في ‏(‏صحيح مسلم‏)‏ عنها أنهما كانا حلالين، وقولها مقدم عند الأكثرين على قوله‏.‏

وروى الترمذي عن أبي رافع - وكان السفير بينهما -أنهما كانا حلالين‏.‏

ويقال‏:‏ كان اسمها برة، فسماها رسول الله ميمونة، وتوفيت بسرف بين مكة والمدينة، حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة ثلاث وستين‏.‏

وقيل‏:‏ سنة ست وستين، والمشهور الأول، وصلى عليها ابن أختها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما‏.‏

 ثم دخلت سنة ثنتين وخمسين

ففيها‏:‏ غزا بلاد الروم وشتى بها سفيان بن عوف الأزدي، فمات هنالك، واستخلف على الجند بعده عبد الله بن مسعدة الفزاري‏.‏

وقيل‏:‏ إن الذي كان أمير الغزو ببلاد الروم هذه السنة بُسر بن أبي أرطاة، ومعه سفيان بن عوف‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص نائب المدينة، قاله أبو معشر والواقدي وغيرهما‏.‏

وغزا الصائفة محمد بن عبد الله الثقفي‏.‏

وعمال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة الماضية‏.‏

 ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏

 خالد بن زيد بن كليب

أبو أيوب الأنصاري الخزرجي، شهد بدراً والعقبة والمشاهد كلها، وشهد مع علي قتال الحرورية‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/64‏)‏

وفي داره كان نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة فأقام عنده شهراً حتى بنى المسجد ومساكنه حوله، ثم تحول إليها‏.‏

وقد كان أبو أيوب أنزل رسول الله في أسفل داره، ثم تحرج من أن يعلو فوقه، فسأل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصعد إلى العلو ويكون هو وأم أيوب في السفل فأجابه‏.‏

وقد روينا عن ابن عباس أنه قدم عليه أبو أيوب البصرة وهو نائبها، فخرج له عن داره وأنزله بها، فلما أراد الانصراف خرج له عن كل شيء بها‏.‏

وزاده تحفاً وخدماً كثيراً أربعين ألفاً، وأربعين عبداً إكراماً له، لما كان أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره، وقد كان من أكبر الشرف له‏.‏

وهو القائل لزوجته أم أيوب - حين قالت له‏:‏ أما تسمع ما يقول الناس في عائشة -‏؟‏

فقال‏:‏ أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب‏؟‏

فقالت‏:‏ لا والله‏.‏

فقال‏:‏ والله لهي خير منك، فأنزل الله‏:‏ ‏{‏لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً‏}‏ الآية ‏[‏النور‏:‏ 12‏]‏‏.‏

وكانت وفاته ببلاد الروم قريباً من سور قسطنطينية من هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ في التي قبلها‏.‏

وقيل‏:‏ في التي بعدها‏.‏

وكان في جيش يزيد بن معاوية، وإليه أوصى، وهو الذي صلى عليه‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عثمان، ثنا همام، ثنا أبو عاصم، عن رجل من أهل مكة أن يزيد بن معاوية كان أميراً على الجيش الذي غزا فيه أبو أيوب‏.‏

فدخل عليه عند الموت، فقال له‏:‏ إذا أنا مت فاقرأوا على الناس مني السلام، وأخبروهم أني سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من مات لا يشرك بالله شيئاً جعله الله في الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

ولينطلقوا فيبعدوا بي في أرض الروم ما استطاعوا‏.‏

قال‏:‏ فحدث الناس لما مات أبو أيوب فأسلم الناس وانطلقوا بجنازته‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا أسود بن عامر، ثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن أبي ظبيان قال‏:‏ غزا أبو أيوب مع يزيد بن معاوية قال‏:‏ فقال‏:‏ إذا مت فأدخلوني في أرض العدو فادفنوني تحت أقدامكم حيث تلقون العدو، قال‏:‏

ثم قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أحمد عن ابن نمير، ويعلى بن عبيد، عن الأعمش سمعت أبا ظبيان فذكره‏.‏

وقال فيه‏:‏ سأحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حالي هذا ما حدثتكموه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثني محمد بن قيس - قاضي عمر بن عبد العزيز - عن أبي صرمة، عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال حين حضرته الوفاة‏:‏ قد كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لولا أنكم تذنبون لخلق الله قوماً يذنبون فيغفر لهم‏)‏‏)‏‏.‏

وعندي أن هذا الحديث والذي قبله هو الذي حمل يزيد بن معاوية على طرف من الأرجاء، وركب بسببه أفعالاً كثيرة أنكرت عليه، كما سنذكره في ترجمته، والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/65‏)‏

قال الواقدي‏:‏ مات أبو أيوب بأرض الروم سنة ثنتين وخمسين، ودفن عند القسطنطينية، وقبره هنالك يستسقي به الروم إذا قحطوا‏.‏

وقيل‏:‏ إنه مدفون في حائط القسطنطينية، وعلى قبره مزار ومسجد وهم يعظمونه‏.‏

وقال أبو زرعة الدمشقي‏:‏ توفي سنة خمس وخمسين، والأول أثبت، والله أعلم‏.‏

وقال أبو بكر بن خلاد‏:‏ حدثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا داود بن المحبر، ثنا ميسرة بن عبد ربه، عن موسى بن عبيدة، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الرجلين ليتوجهان إلى المسجد فيصليان فينصرف أحدهما وصلاته أوزن من صلاة الآخر، وينصرف الآخر، وما تعدل صلاته مثقال ذرة، إذا كان أورعهما عن محارم الله وأحرصهما على المسارعة إلى الخير‏)‏‏)‏‏.‏

وعن أبي أيوب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل سأله أن يعلمه ويوجز فقال له‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا صليت صلاة فصلِ صلاة مودعٍ، ولا تكلمن بكلام تعتذر منه، واجمع اليأس مما في أيدي الناس‏)‏‏)‏‏.‏

 وفيها‏:‏ كانت وفاة أبي موسى عبد الله بن قيس بن سُليم بن حضار بن حرب بن عامر بن غز بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن وائل بن ناجية بن جماهر بن الأشعر الأشعري، أسلم ببلاده، وقدم مع جعفر وأصحابه عام خيبر‏.‏

وذكر محمد بن إسحاق أنه هاجر أولاً إلى مكة، ثم هاجر إلى اليمن، وليس هذا بالمشهور‏.‏

وقد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع معاذ على اليمن، واستنابه عمر على البصرة، وفتح تستر، وشهد خطبة عمر بالجابية، وولاه عثمان الكوفة‏.‏

وكان أحد الحكمين بين علي ومعاوية، فلما اجتمعا خدع عمرو أبا موسى، وكان من قراء الصحابة وفقهائهم، وكان أحسن الصحابة صوتاً في زمانه‏.‏

قال أبو عثمان النهدي‏:‏ ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا مزمار أطيب من صوت أبي موسى‏.‏

وثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود‏)‏‏)‏‏.‏

وكان عمر يقول له‏:‏ ذكرنا ربنا يا أبا موسى، فيقرأ وهم يسمعون‏.‏

وقال الشعبي‏:‏ كتب عمر في وصيته أن لا يقر لي عامل أكثر من سنة إلا أبا موسى فليقر أربع سنين‏.‏

وذكر ابن الجوزي في ‏(‏المنتظم‏)‏ أنه توفي في هذه السنة وهو قول بعضهم‏.‏

وقيل‏:‏ إنه توفي قبلها بسنة‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة ثنتين وأربعين‏.‏

وقيل‏:‏ غير ذلك، والله أعلم‏.‏

وكانت وفاته بمكة لما اعتزل الناس بعد التحكيم‏.‏

وقيل‏:‏ بمكان يقال له‏:‏ الثوية على ميلين من الكوفة‏.‏

وكان قصيراً نحيف الجسم أسبط، أي‏:‏ لا لحية له، رضي الله عنه‏.‏

وذكر ابن الجوري أنه توفي في هذه السنة أيضاً من الصحابة‏.‏